الله عز وجل واحد فى ذاته ، واحد فى صفاته ، واحد فى أفعاله ، لا شريك له فهوالملك المليك ، وهو الخالق الخلاق ، وهو الرازق الرزاق ، وهو المدبر المقيت ، وإذا كان هو الرب فمن الملازمة فهو الإله المستحق للعبادة ، وإذا استحق للعبادة وحده لكونه المتصرف وحده امتنع إشراك غيره معه فى الربوبية ولازمِها من الألوهية ، فلو كان مع الله شريك لفسدت السماوات والأرض لإقتضاء التنازع بين المتشاركين ، فهذا يريد الإعطاء وذاك يريد المنع ، وهو الذى يفضى إلى اختلال النظام وفساد الحياة ، وهذا هو ما ذكره الله تعالى فى قوله : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ }الأنبياء22 وهذا ما يسميه علماء الكلام بدليل التمانع ، ولبيان هذا الدليل نقول :
لو وجد إلهان متماثلا يدبران أمرهذا الكون للزم عجزهما سواء اتفقا ، أو اختلفا ، أو انقسما ، وهذا سواء أكان عن اضطرار أو اختيار منهما.
1- فإن كان عن اضطرار : لزم قهرهما وعجزهما ، وإن قهرا أو عجزا لفنى العالم ، وفناء العالم باطل بالمشاهدة ، وهذا الإضطرار سواء فى الإتفاق أو الإختلاف أو الانقسام .
2- وإن كان عن اختيار منهما :
أولا : فإن اختلفا : بأن أراد أحدهما إيجاد شىء وأراد الآخر عدمه ، أو أراد أحدهما إعطاء والآخر أراد المنع فلا يخلو الحال من :
أ- إما أن ينفذ مرادهما معا فيلزم اجتماع الضدين وهو محال .
ب- وإما ألا ينفذ مرادهما فيلزم عجزهما معا ، كما يلزم ارتفاع الضدين فى الممكن مع قبول المحل له ، بل لو كان مستحيلا للزم القدرة على إيجاده إذ لا مُحال على القادر المطلق وإلا للزم العجز والعجز مستحيل على الإله.
ج – وإما أن ينفذ مراد أحدهما دون الآخر، فيلزم عجز من لم ينفذ مراده فلا يكون إلها كاملا ، وكذلك يلزم العجز للذى نفذ مراده ؛ لأن الفرض أنهما متماثلان فى كل شىء .
ثانيا : وإن اتفقا :
أ – فأما أن يتفقا على إيجاد الشىء معا بأن يؤثر كل منهما فيه على سبيل الإستقلال وهذا يلزمه وقوع مقدور بين قادرين وهو باطل .
ب – وإما أن يتفقا على إيجاده بطريق التعاون ، وهذا يلزمه عجز كل واحد منهما على انفراده ، والعجز ينافى الألوهية.
ونقول أيضا : إنهما إن اتفقا اختيارا أيضا فيتعرض لهما جوهر فرد ( وهو ما لا يقبل الإنقسام ) ولا يخلو الأمر فى إيجاده من :
1- إما أن يوجداه معا على سبيل المشاركة ، فيلزم منه انقسام ما لا ينقسم وهو محال ؛ لأن الجوهر الفرد لا يقبل الإنقسام .
2- وإما أن يوجد أحدهما عين ما أوجده الآخر ، فيلزم منه تحصيل الحاصل وهو محال .
3- وإما أن يوجده أحدهما ويعجز الآخر فيكون الآخر ليس بإله ؛ لأنه عجز والإله ليس بعاجز ؛ والذى قدر على فعله أيضا ليس بإله ، لأن الفرض أنه مثل الآخر ومثل العاجز عاجز .
4- و إما أن يعجزا معا فيكونا ليسا بإلهين ، وإذا لزم عجزهما عن إيجاد هذا الجوهر ، لزم عجزهما عن سائر الممكنات ؛ لأنه لا فرق بين ممكن وممكن.
ثالثا : وإما أن ينقسما : على أن يتصرف أحدهما فى بعض العالم كالشرق ، والثانى فى البعض الآخر كالغرب مثلا .
وهذا محال من وجهين :
الأول : أن نقول : هل إله الشرق قادر على مقدورات إله الغرب والعكس أم لا ؟ 1- فإن كان أحدهما قادرا والآخر عاجز : لزم بطلان ألوهية العاجز ، وكذا القادر لفرض التساوى بينهما .
2- وإن كان كل منهما قادرا :
أ - فإما أن تكون قدرة إيجاد ، وهو تحصيل حاصل ، وأقول : حتى لو استطاع إيجاد الجنس أو النوع من بعد إيجاده من فعل الأول فليس هذا المراد إنما المراد ، إيجاد العين والأصل أو إيجاد المبدأ أو إيجاد الإبداع الذى هو من لا شىء .
ب - وإما أن تكون قدرة إعدام فيحصل الفساد كما سبق .
ج - وإما أن تكون قدرة مشاركة فترجع إلى ما سبق .
3- وإن لم يكن أحد منهما قادرا : لثبت عجزه ، والعجز محال على الإله ؛ لأن شرط الإله القدرة المطلقة على جميع الممكنات.
الثانى : أن تخصيص كل منهما بجزء معين بأن يأخذ هذا الشرق وذاك الغرب ، فهذا التخصيص إما أن يكون :
1- من مخصص خارج عنهما ، والمخصص بدوره يحتاج إلى مخصص آخر، وتتسلسل المسألة إلى ما لا نهاية .
2- وإما أن يكون التخصيص بإختيارهما وليس من مخصص خارج عنهما ، وهو محال أيضا ؛ لأن الفاعل المختار هو الذى يتأتى منه الفعل والترك بحيث يستطيع كل واحد منهما أن يتصرف فى مقدورات الآخر وهو محال ؛ لأنه لو تصرف فى هذه المقدورات : فإما أن يتصرف فيها بالإيجاد أو بالإعدام :
1- والإيجاد تحصيل حاصل ، كما سبق .
2- والإعدام يستلزم اضطراب العالم وفساده وتداخل الإرادات والتنازع ، كما سبق أيضا.
وبعد : فإذا بطلت كل الإيرادات السابقة فلا يبقى معنا إلا إيراد واحد وهو أنه : لا إله إلا الله ، أى لا يوجد إله حق يستحق للعبادة والخضوع والخنوع إلا الله الواحد الأحد ؛ لأنه هو الرب الخالق البارىء المصور البديع ، وصدق الله إذ يقول {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ }الأنبياء22 ويقول : {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }المؤمنون91 . ويقول : {قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً }الإسراء42
ونحن نجد ما ذكرناه آنفا من الإفتراضات الثلاثة السابقة وبطلانها قد ذكرها الله تعالى وأبطلها فى كلمات قليلة معجزة :
1- ففى إبطال الفرض الأول وهو اختلافهما قال : { وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ }المؤمنون91 ، وقال: { إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً }الإسراء42 .
2- وفى إبطال الفرض الثانى وهو اتفاقهما قال : {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا }الأنبياء22.
3- وفى إبطال الفرض الثالث وهو انقسامهما قال : { إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ }المؤمنون91 .
ملاحظات وتنبيهات :
الملاحظة الأولى وهى : أن هذا الدليل قد وجيه بعدة انتقادات من بعض المتكلمين من كونه دليل قاصر لتجاهلة لجانب الاتفاق بين الآلهة كما حرره الأشعرى ، أو لأن بعضهم حرره على جهة امتناع الفعل وتوارد مؤثرين على مؤثر واحد والبعض الآخر حرره على جهة امتناع الفاعلين وقد دافع متكلمة الأشاعرة عن هذا الدليل وردوا على هذه الانتقادات ، ونحن قد ذكرنا هذا الدليل على صورته الكاملة التى تتحاشا هذه الانتقادات والقصور ، والحمد لله على توفيقه .
الملاحظة الثانية وهى : أن علماء أهل السنة قد وجهوا أيضا انتقادات لهذا الدليل فى مجملها لا تعكر على ذات الدليل من وقوع قصور فيه أو ضعف دلالته – فى الغالب منهم – ولكن كان أكثر انتقادهم يتمثل فى فساد نية المتكلمين وسوء استخدامهم له ، وتنزيلهم له على نص الأية الكريمة : {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ }الأنبياء22 وغايتهم من اثبات الدليل من مجرد إثبات الربوبية لا الألوهية والصانعية لا العبودية .
وأنا أقول : فى الحقيقة أن هذا الدليل الذى أراه فيه أنه دليل جيد لإثبات الوحدانية لله تعالى وإذا كان الأمر يتعلق بسوء النوايا وسوء الإستخدام فعلينا نحن بإستخدامه الإستخدام الصحيح وإصلاح نيتنا ، وأما أن غاية المتكلمين منه إثبات مجرد الربوبية وحسب وإسقاطهم له على الآية وخطئهم فى تفسير الآية فهذا لا نوافق عليه ولكن نبين الحق أن الآية الكريمة تدل دلالة كبيرة على هذا الدليل بدلالة المفهوم بل والسياق أيضا ونقول أيضا أن الآية تقرر انتفاء وامتناع وجود رب إله مع الله تعالى ؛ وذلك لأن إثبات الربوبية يقتضى إثبات الألوهية وإثبات الألوهية يقتضى إثبات الربوبية إذ لا يستحق المعبود الإله العبودية إلا إذا كان ربا خالقا مدبرا مهيمنا ، والعكس فإذا ثبتت الربوبية لرب فو يستحق العبودية وهذا ظاهر وبين لا التباس فيه .
الملاحظة الثالثة وهى : أن هذا الدليل يصلح للرد على النصارى فى اتخاذ الابن لله – تعالى عن ذلك – ومشاركته لله فى أعماله فى الدنيا والآخرة ، وأنا لست فى معرض الرد عليهم فإنا لنا ردودنا المخصصة لذلك ، ولكن الذى أحب أن أنوه إليه هو بطلان مشاركة الله تعالى - الذى استحق العبادة فى الدنيا - المقاضاة معه فى الآخرة ومداينة الناس ومحاسبتهم ؛ لأن انتفاء الشركة فى الدنيا ينفى المشاركة بعدها وهذا يرد على قول النصارى : { لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَدًا، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ }(يوحنا :5 / 22)
وقولهم :{ لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذلِكَ أَعْطَى الابْنَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، 27وَأَعْطَاهُ سُلْطَانًا أَنْ يَدِينَ أَيْضًا، لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ } (يوحنا : 5 /26-27) وأنا لست فى معرض مناقشة هذه النصوص وردها بنصوص خصوصية المداينة للرب ونفيها عن الابن ، ولكنى أنوه مجرد تنويه لذكرنا للدلالة العقلية التى ذكرناها .
هذا والحمد لله رب العالمين .
وكتبه أحمد مصطفى كامل
لو وجد إلهان متماثلا يدبران أمرهذا الكون للزم عجزهما سواء اتفقا ، أو اختلفا ، أو انقسما ، وهذا سواء أكان عن اضطرار أو اختيار منهما.
1- فإن كان عن اضطرار : لزم قهرهما وعجزهما ، وإن قهرا أو عجزا لفنى العالم ، وفناء العالم باطل بالمشاهدة ، وهذا الإضطرار سواء فى الإتفاق أو الإختلاف أو الانقسام .
2- وإن كان عن اختيار منهما :
أولا : فإن اختلفا : بأن أراد أحدهما إيجاد شىء وأراد الآخر عدمه ، أو أراد أحدهما إعطاء والآخر أراد المنع فلا يخلو الحال من :
أ- إما أن ينفذ مرادهما معا فيلزم اجتماع الضدين وهو محال .
ب- وإما ألا ينفذ مرادهما فيلزم عجزهما معا ، كما يلزم ارتفاع الضدين فى الممكن مع قبول المحل له ، بل لو كان مستحيلا للزم القدرة على إيجاده إذ لا مُحال على القادر المطلق وإلا للزم العجز والعجز مستحيل على الإله.
ج – وإما أن ينفذ مراد أحدهما دون الآخر، فيلزم عجز من لم ينفذ مراده فلا يكون إلها كاملا ، وكذلك يلزم العجز للذى نفذ مراده ؛ لأن الفرض أنهما متماثلان فى كل شىء .
ثانيا : وإن اتفقا :
أ – فأما أن يتفقا على إيجاد الشىء معا بأن يؤثر كل منهما فيه على سبيل الإستقلال وهذا يلزمه وقوع مقدور بين قادرين وهو باطل .
ب – وإما أن يتفقا على إيجاده بطريق التعاون ، وهذا يلزمه عجز كل واحد منهما على انفراده ، والعجز ينافى الألوهية.
ونقول أيضا : إنهما إن اتفقا اختيارا أيضا فيتعرض لهما جوهر فرد ( وهو ما لا يقبل الإنقسام ) ولا يخلو الأمر فى إيجاده من :
1- إما أن يوجداه معا على سبيل المشاركة ، فيلزم منه انقسام ما لا ينقسم وهو محال ؛ لأن الجوهر الفرد لا يقبل الإنقسام .
2- وإما أن يوجد أحدهما عين ما أوجده الآخر ، فيلزم منه تحصيل الحاصل وهو محال .
3- وإما أن يوجده أحدهما ويعجز الآخر فيكون الآخر ليس بإله ؛ لأنه عجز والإله ليس بعاجز ؛ والذى قدر على فعله أيضا ليس بإله ، لأن الفرض أنه مثل الآخر ومثل العاجز عاجز .
4- و إما أن يعجزا معا فيكونا ليسا بإلهين ، وإذا لزم عجزهما عن إيجاد هذا الجوهر ، لزم عجزهما عن سائر الممكنات ؛ لأنه لا فرق بين ممكن وممكن.
ثالثا : وإما أن ينقسما : على أن يتصرف أحدهما فى بعض العالم كالشرق ، والثانى فى البعض الآخر كالغرب مثلا .
وهذا محال من وجهين :
الأول : أن نقول : هل إله الشرق قادر على مقدورات إله الغرب والعكس أم لا ؟ 1- فإن كان أحدهما قادرا والآخر عاجز : لزم بطلان ألوهية العاجز ، وكذا القادر لفرض التساوى بينهما .
2- وإن كان كل منهما قادرا :
أ - فإما أن تكون قدرة إيجاد ، وهو تحصيل حاصل ، وأقول : حتى لو استطاع إيجاد الجنس أو النوع من بعد إيجاده من فعل الأول فليس هذا المراد إنما المراد ، إيجاد العين والأصل أو إيجاد المبدأ أو إيجاد الإبداع الذى هو من لا شىء .
ب - وإما أن تكون قدرة إعدام فيحصل الفساد كما سبق .
ج - وإما أن تكون قدرة مشاركة فترجع إلى ما سبق .
3- وإن لم يكن أحد منهما قادرا : لثبت عجزه ، والعجز محال على الإله ؛ لأن شرط الإله القدرة المطلقة على جميع الممكنات.
الثانى : أن تخصيص كل منهما بجزء معين بأن يأخذ هذا الشرق وذاك الغرب ، فهذا التخصيص إما أن يكون :
1- من مخصص خارج عنهما ، والمخصص بدوره يحتاج إلى مخصص آخر، وتتسلسل المسألة إلى ما لا نهاية .
2- وإما أن يكون التخصيص بإختيارهما وليس من مخصص خارج عنهما ، وهو محال أيضا ؛ لأن الفاعل المختار هو الذى يتأتى منه الفعل والترك بحيث يستطيع كل واحد منهما أن يتصرف فى مقدورات الآخر وهو محال ؛ لأنه لو تصرف فى هذه المقدورات : فإما أن يتصرف فيها بالإيجاد أو بالإعدام :
1- والإيجاد تحصيل حاصل ، كما سبق .
2- والإعدام يستلزم اضطراب العالم وفساده وتداخل الإرادات والتنازع ، كما سبق أيضا.
وبعد : فإذا بطلت كل الإيرادات السابقة فلا يبقى معنا إلا إيراد واحد وهو أنه : لا إله إلا الله ، أى لا يوجد إله حق يستحق للعبادة والخضوع والخنوع إلا الله الواحد الأحد ؛ لأنه هو الرب الخالق البارىء المصور البديع ، وصدق الله إذ يقول {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ }الأنبياء22 ويقول : {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ }المؤمنون91 . ويقول : {قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً }الإسراء42
ونحن نجد ما ذكرناه آنفا من الإفتراضات الثلاثة السابقة وبطلانها قد ذكرها الله تعالى وأبطلها فى كلمات قليلة معجزة :
1- ففى إبطال الفرض الأول وهو اختلافهما قال : { وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ }المؤمنون91 ، وقال: { إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً }الإسراء42 .
2- وفى إبطال الفرض الثانى وهو اتفاقهما قال : {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا }الأنبياء22.
3- وفى إبطال الفرض الثالث وهو انقسامهما قال : { إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ }المؤمنون91 .
ملاحظات وتنبيهات :
الملاحظة الأولى وهى : أن هذا الدليل قد وجيه بعدة انتقادات من بعض المتكلمين من كونه دليل قاصر لتجاهلة لجانب الاتفاق بين الآلهة كما حرره الأشعرى ، أو لأن بعضهم حرره على جهة امتناع الفعل وتوارد مؤثرين على مؤثر واحد والبعض الآخر حرره على جهة امتناع الفاعلين وقد دافع متكلمة الأشاعرة عن هذا الدليل وردوا على هذه الانتقادات ، ونحن قد ذكرنا هذا الدليل على صورته الكاملة التى تتحاشا هذه الانتقادات والقصور ، والحمد لله على توفيقه .
الملاحظة الثانية وهى : أن علماء أهل السنة قد وجهوا أيضا انتقادات لهذا الدليل فى مجملها لا تعكر على ذات الدليل من وقوع قصور فيه أو ضعف دلالته – فى الغالب منهم – ولكن كان أكثر انتقادهم يتمثل فى فساد نية المتكلمين وسوء استخدامهم له ، وتنزيلهم له على نص الأية الكريمة : {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ }الأنبياء22 وغايتهم من اثبات الدليل من مجرد إثبات الربوبية لا الألوهية والصانعية لا العبودية .
وأنا أقول : فى الحقيقة أن هذا الدليل الذى أراه فيه أنه دليل جيد لإثبات الوحدانية لله تعالى وإذا كان الأمر يتعلق بسوء النوايا وسوء الإستخدام فعلينا نحن بإستخدامه الإستخدام الصحيح وإصلاح نيتنا ، وأما أن غاية المتكلمين منه إثبات مجرد الربوبية وحسب وإسقاطهم له على الآية وخطئهم فى تفسير الآية فهذا لا نوافق عليه ولكن نبين الحق أن الآية الكريمة تدل دلالة كبيرة على هذا الدليل بدلالة المفهوم بل والسياق أيضا ونقول أيضا أن الآية تقرر انتفاء وامتناع وجود رب إله مع الله تعالى ؛ وذلك لأن إثبات الربوبية يقتضى إثبات الألوهية وإثبات الألوهية يقتضى إثبات الربوبية إذ لا يستحق المعبود الإله العبودية إلا إذا كان ربا خالقا مدبرا مهيمنا ، والعكس فإذا ثبتت الربوبية لرب فو يستحق العبودية وهذا ظاهر وبين لا التباس فيه .
الملاحظة الثالثة وهى : أن هذا الدليل يصلح للرد على النصارى فى اتخاذ الابن لله – تعالى عن ذلك – ومشاركته لله فى أعماله فى الدنيا والآخرة ، وأنا لست فى معرض الرد عليهم فإنا لنا ردودنا المخصصة لذلك ، ولكن الذى أحب أن أنوه إليه هو بطلان مشاركة الله تعالى - الذى استحق العبادة فى الدنيا - المقاضاة معه فى الآخرة ومداينة الناس ومحاسبتهم ؛ لأن انتفاء الشركة فى الدنيا ينفى المشاركة بعدها وهذا يرد على قول النصارى : { لأَنَّ الآبَ لاَ يَدِينُ أَحَدًا، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ }(يوحنا :5 / 22)
وقولهم :{ لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذلِكَ أَعْطَى الابْنَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، 27وَأَعْطَاهُ سُلْطَانًا أَنْ يَدِينَ أَيْضًا، لأَنَّهُ ابْنُ الإِنْسَانِ } (يوحنا : 5 /26-27) وأنا لست فى معرض مناقشة هذه النصوص وردها بنصوص خصوصية المداينة للرب ونفيها عن الابن ، ولكنى أنوه مجرد تنويه لذكرنا للدلالة العقلية التى ذكرناها .
هذا والحمد لله رب العالمين .
وكتبه أحمد مصطفى كامل