الأحد، 10 يناير 2010

المسيح والتثليث

<<المسيح والتثليث >>هذا عنوان كتاب للدكتور الطبيب / محمد وصفى ،يعد إضفاءة جديدة ، ودراسة مشرقة ، وحصيلة بحث مثمر ، وكانت نظراته ثاقبة ، وتنظيمه للأفكار جيدة ، وتنسيقه بديع .
هذا الكتاب يقع فى مائتى صفحة ، أتى فيها على النصرانية من جميع جوانبها ، عرضا ودحضا ، وإبطالا ونقدا ، وتفنيدا وصدا ، وردا دامغا ، وإفحاما ساطعا .
لقد أعجبنى هذا الكتاب الطيب من ناحية عرضه لعقيدتهم ، واستدلاله على بطلانها ، وذلك بطريقة سهلة سلسة ميسرة لكل قارىء ، وذلك لأن هذه الديانة النصرانية – حقيقة – فى غاية الغموض والتعقيد ، بله والظلام القاتم ، وذلك لبلبة فكرها ، وفساد معتقدها ومضاداته للعقل النظيف ومصاداته للفكر الحصيف ، وكثرة التناقضات فيه والاضطرابات ، ووضوح التباينات والاختلافات ، وليس ذلك بين الفرق والذاهب ومتبعوها وحسب ، ولكن فى الأصل الذى يعتمدون عليه ويستندون إليه ، وهو الكتاب المقدس عندهم – سواء التوراة أو الإنجيل – أو عفوا : الأناجيل – مما يحتم على الدارس والباحث فى هذه الديانة وكتابها – المقدس – أن يكون حاضر الذهن ، ثاقب النظر ، قوى البديهة متوقد القريحة ؛ كى يتسنى له أن يجمع بين المتضادات ، مما يؤدى إلى المناطحة بينها ، والذى يعنى تزويرها وتزييفها ، والذى يحتم بطلانها ، إذ لا يصدر ذاك عن واحد من العمة ، فضلا عن قديس ، أو حوارى ، أو نبى مرسل ، فضلا عن ذلك كله – بعدا بعدا – أن ينسب إلى الله تعالى ، وهذا مما يثبت ويؤكد دخول التحريف إلى كتابهم هذا بأيديهم << فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون >> . وأقول إلى كتابهم هذا لا إلى كتاب الله ، فهيهات أن يكون للإنجيل الحقيقى وجود .
ومن هنا فقد أعجبت باعتماد المؤلف على تفنيد معتقد القوم بالنقل والعقل ، أما بالعقل فقد فند كثيرا من معتقداتهم بالنظر العقلى البديهى والفلسفى ، والذى لا يستطيع أى عاقل أن يوافق على خلافه ويقع فى سفاهتهم وضلالهم ، وأما بالنقل فقد اعتمد على كتابهم – المقدس – ويجمع منه وقد راعا المؤلف أن يجمع بين القضية الواحدة الماثلة للمناقشة من مواضع الأناجيل الأربعة التى روت هذا ، وكذلك مما ذكر فى الرسائل المتممة للعهد الجديد ، ثم بعد ذلك يضرب الروايات بعضها ببعض ، وكما سبق مما يثبت تزييفها لختلافها ، فكان هذا مما ينبىء على عمق المؤلف فى الغوص والبحث فى ثنايا الكتاب المقدس ، ومما يؤكد ملكة الرجل ومعايشته فى دراسة هذا الكتاب وقتا كبيرا وزمنا وفيرا لا شك من بعد أن أعتمد على جهود سلفه من أهل العلم بمقارنة الأديان .
هذا ، وقد جلى المؤلف عدة حقائق ينبغى أن تذكر وتذاع وتعلم وتشاع ، منها بل وأهمها لدى أن هؤلاء النصارى ليسوا بمسيحيين ، بل هم بوليسيون ، أى لا يصح نسبتهم إلى السيد المسيح رسول الديانة النصرانية الصحيحة فى نقائها الأول من الدعوة إلى التوحيد الخالص الذى لم تشوبه شائبة الشرك ، ولم تعكر صفوه رجس الأوثان ومعتقدهم من الهنود القدماء مما جلبه وأدخله على النصرانية ( بولس ) – الذى ينعتونه ( بالرسول ) – الذى حرف الديانة التى أتى بها المسيح ، وادعى أن عيس إله كى يتاح له أن يدعى أنه ( بولس الرسول ) ، فجاء بولس هذا بتلك الانحرافات والانجرفات والشركيات والوثنيات ، وأنقص وأزاد وأتى بأوباد ، مما ينزه عنه المسيح ، لذا لا يصح بأى وجه أن ينسب النصارى إليه ، لذا وجب التنويه لذلك بأن (بولس) أحق بهم من عيسى لذا فقولوا النصارى ( البولسيون) ولا تقولوا (المسيحيين ) .
إلى غير ذلك من الحقائق التى تقف عليها عند قراءة هذا الكتاب القيم .
وهذا مما يجعلنى أدعو كل بادىء لدراسة هذه الديانة أن يبدأ بقراءة ودراسة هذا الكتاب ، ثم يعرج على الكتب الأخرى الكثيرة فى هذا الباب ، ولكنى أرى أن هذا المؤلف على نسق طيب ، وجاء بحجج دامغة ، وبمعلومات ووثائق وافرة مع إيجازه .
وأنا لا أستطيع النكران والجحود فقد استفدت منه الكثير والكثير ، فقد بصرنى بما لم أكن أبصر به ، وفتح لى ما كان مغلقا ، ونمى الحافظة عندى ، ودفق على من المعلومات ما لم أكن بها على علم ، رغم ما عندى من المصنفات فى هذا الباب مما هو أكبر حجما وأوسع علما وأكثر حججا ، إلا أن الله يفتح على من يشاء بما يشاء .
وكتب هذا التعليق على كتاب << المسيح والتثليث >> : ليلة الاثنين/
1 من جمادى الآخرة 1427ه
26 من يونيه 2006م
كتبه أحمد مصطفى كامل

دفاع عن أصالة الأرقام العربية

ما بين الفينة والأخرى يخرج علينا من ينادى – زاعما – إلى الرجوع إلى الأرقام الغبارية واستخدامها زاعما أنها عربية الأصل ويجب استعمالها ، ولكن نبادر القول قائلين :
أ - لقد أوصى مجمع اللغة العربية بالقاهرة فى مايو عام 1986 بالاستمرار فى استعمال أرقامنا العربية المشرقية
(۰ - ۱ - ۲ - ۳ - ٤ - ٥ - ٦ - ٧ - ۸ - ۹) .
ب - كما أقر اتحاد المجامع العربية عام 1987م عروبة أرقمنا الأصلية ، بل ودعا دول المغرب العربى إلى العودة لاستعمالها وترك الأرقام الغربية المستعملة فى أوروبا .
وبعد : فقد هبت علينا رياح غريبة عن نسيج الأمة تدعو إلى هجر رقمنا العربى ، مع مشايعة بعض المستشرقين ، داعين إلى استعمال الرقم الغربى الغبارى ، زاعمين أن الرقم الغربى عربى ، ورقمنا العربى الأصيل ما هو بعربى بل هو هندى . ولكننا نقول :
1- أن أول ظهور للأرقام فى التراث العلربى الإسلامى كان على يد محمد بن موسى الخوارزمى فى مخطوطته << الجبر والمقابلة >> والتى يرجع تاريخها إلى عام 204هجرية 820م مستعملا الأرقام المشرقية العربية الأصلية فى حين أن أقدم المخطوطات التى تستخدم الأرقام الغربية المستعملة حاليا فى أوروبا والمسماة بالغبارية على قلتها يرجع إلى القرن السادس الهجرى الثانى عشر الميلادى أى بعد اختراع الأرقام العربية الأصلية بأكثر من ثلاثة قرون .
علمنا بأن أرقمنا العربية منذ اختراعها وهى تستعمل بصورة منتظمة متصلة حتى يومنا هذا ، بيد أن الأرقام الغربية مذ بداية وجودها فى القرن السادس الهجرى ، وهى تمر بعدة مراحل للتغيير ، فهى نشأت لتتواءم مع الحرف اللاتينى.
2- لقد أشارت الدراسات الحديثة إلى أن أرقمنا العربية الأصيلة جزء من نسيج لغتنا العربية فهى متجانسة فى ذاتها ومتجانسة كذلك مع حروف لغتنا بصورة كاملة وتامة ، أما الأرقام الغربية فغير متجانسة فى ذاتها وغير متجانسة مع حروف اللغة العربية ، بل هى أكثر تجانسا مع الحروف اللاتينية ، وهذا يعنى أن الأرقام العربية المشرقية وليدة حضارة واحدة هى الحضارة العربية ، بينما الأرقام الغبارية والتى تطورت على ثلاث مراحل منذ نشأتها حتى وصلت إلى صورتها الحالية وليدة أكثر من حضارة منها الحضارة العربية .
3- ومما يدعم ارتباط الأرقام العربية الأصلية باللغة العربية اتجاه كتابة الأرقام ذاتها ، ففى حالة الأرقام العربية الأصلية لا يشذ عن اتجاه الكتابة العربية فيها إلا رقم ستة ، بينما نجد فى الأرقام الغبارية ، أن الواحد والاثنين والثلاثة والسبعة تكتب من الشمال ، والمنطق يستتبع أن المجموعة التى يزداد فيها ما يكتب من الشمال إلى اليمين – وهى المجموعة الغبارية – تنتمى إلى اللغة التى تكتب من الشمال إلى اليمين ، وهى اللاتينية ، وفى نفس الوقت فإنه من المنطقى أن تكون المجموعة الأخرى وهى العربية الأصلية
(۰ - ۱ - ۲ - ۳ - ٤ - ٥ - ٦ - ٧ - ۸ - ۹) والتى لا يكتب فيها إلا رقم واحد هو الستة من الشمال إلى اليمين ، تنتمى إلى اللغة العربية التى تكتب من اليمين إلى الشمال .
4- ونشير إلى أن التشابهات بين عناصر منظومة الأرقام الغبارية أكبر منه من التشابهات بين عناصر منظومة الأرقام العربية الأصلية ، ذلك ونود أن نلفت النظر إلى التشابهات الحادة بين الأرقام خمسة وستة وثمانية وتسعة ، وكذلك بين الواحد والسبعة فى الأرقام المستعملة فى أوروبا ، وهذا كله يشير إلى أن الأرقام العربية الأصلية أكفأ من الأرقام الغبارية / ومن ثم فإنه من الناحية النفعية المحضة لا يجب علينا أن نتخلى عن الأكفأ لو تناسينا أصالة أرقمنا الأصلية وعروبتها بل وعروبتنا ، علما بأن هذه الكفاءة تتحسن بلا شك فى حالة مراعاة قواعد الكتابة الصحيحة للأرقام ، فهل لنا أن نترك الأكفأ ونتحول عنه إلى الأدنى ؟!!
5- إن مختلف المخطوطات والإثباتات العلمية فى قضية القم العربى تصب فى أصالة الصورة العربية للأرقام
(۰ - ۱ - ۲ - ۳ - ٤ - ٥ - ٦ - ٧ - ۸ - ۹) ، وتدحض مقولة عروبة الأرقام الغربية التى نشأت فى فترة انحسار الحضارة العربية لتتلاءم مع شل الحروف اللاتينية ، إن إطلاق المستشرقين على تلك الصورة الغربية لفظ العربية هو من قبيل الإثبات الجغرافى ، فهذه الأرقام نشأت فى الأندلس حيث الحضارة العربية ، وهذا الأسلوب شائع فى اللغات الأوروبية حيث يطلقون على الشىء اسم منشئه ، بالإضافة إلى أنه فى حالة تلك الأرقام الغبارية فإن إطلاق المستشرقين عليها اسم عربية جاء أيضا لأن أى نظام ترقيم يتخذ عشرة أشكال فقط للتعبير عن مختلف الأرقام ويتبع نظام الخانات من آحاد وعشرات ومئات وآلاف يتبع منظومة الأرقام العربية فالمنظومة الغبارية منظومة ترقيم عربية ، وبالتالى فإنه يمكننا فهم كلام المستشرقن على أنه حديث عن النشأ الجغرافى والمنظومة معا لكن الحقيقة تبقى فى أن هذه الأرقام الغربية طوعت لتلائم الحرف اللاتينى ، أما حينما نتحدث نحن العرب عن الشكل الغربى فلا بد من تذكر أن هذا الشكل خرج من السياق العربى ليلائم الحرف اللاتينى ، ونحن نملك الشكل العربى الأصيل الذى لا يبنازعنا فيه أحد والذى أنشأناه مع منظومته إنشاء منذ أكثر من اثنى عشر قرنا من الزمان ، إن الفهم الصحيح لكلام المستشرقين والقراءة المتأنية لثوابت التاريخ والدعم العلمى لتلك الشواهد سوف يقودنا بلا محالة إلى التمسك بأرقامنا العربية الأصيلة (۰ - ۱ - ۲ - ۳ - ٤ - ٥ - ٦ - ٧ - ۸ - ۹).
وبعد : فإن التمسك بأرقمنا العربية الأصلية لهو تمسك بلغتنا العربية لأن كل منهما يلائم الآخر ، فعند استبدال الرقم العربى بالرقم الغربى الغبارى ، فسوف يدعو إلى استبدال الحرف العربى بالحرف الغربى أيضا ؛ لأن الرقم الغربى لا يلائم البته الحرف العربى .